معنى التوحيد:
التوحيد [في اللغة]
:
مأخوذ من وحَّد الشيء إذا جعله واحدًا، والواحد ضد الاثنين والثلاثة
فأكثر، فحاصله أنه ضد الكثرة, فالشيء الواحد هو الشيء المستقل المتوحد
الذي لا يشاركه غيره.
وأما في الشرع فالتوحيد هو:
"إفراد الله بالعبادة"
بمعنى: أن تجعل العبادة كلها لله عز وجل ﴿ويَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ
لِلَّهِ﴾ [الأنفال:39]؛ بدليل قوله تعالى: ﴿ومَا خَلَقْتُ
الجِنَّ والإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، وقوله
تعالى: ﴿واعْبُدُوا اللَّهَ ولاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾
[النساء: 36]، وقوله تعالى: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ
لَهُ الدِّينَ ولَو كَرِهَ الكَافِرُونَ﴾ [غافر: 14]
هذا هو التوحيد في الشرع: إفراد الله بالعبادة وترك عبادة ما سواه.
أنواع التوحيد:
التوحيد: أنواع ثلاثة مستقرأة من كتاب الله عز وجل. وليس تقسيم
التوحيد إلى ثلاثة جاء من قبيل الرأي، أو من قبيل الاصطلاح، وإنما هو
مستقرأ من كتاب الله عز وجل.
قال تعالى:( رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا)مريم
النوع الأول: توحيد الربوبية وهو:
"إفراد الله جل وعلا بأفعاله"؛ من الخلق والرزق والإحياء والإماتة
وتدبير الأمور، فيعتقد المرء أن الله وحده الخالق الرازق المدبر الحي الذي
لا يموت.
و توحيد الربوبية، فجميع الأمم مقرة به، لم ينكره إلا شذاذ من الخلق،
أنكروه تكبرًا وعنادًا مع اعترافهم به في قرارة أنفسهم.مثل فرعون.
فجميع الخلق مقرون بأن الله هو الخالق الرازق المحي المميت المدبر،
النوع الثاني: توحيد الألوهية وهو:
"إفراد الله جل وعلا بأفعال العباد التي يتقربون بها إليه سبحانه
وتعالى"؛ كالدعاء والخوف والرجاء والرهبة والرغبة والتوكل والاستقامة
والاستغاثة والذبح والنذر، وغير ذلك من أنواع العبادة. فيجب أن تكون
العبادة بجميع أنواعها لله سبحانه لا يصرف منها شيء لغير الله. هذا هو
توحيد العبادة، أو توحيد الألوهية، وهو التوحيد العملي، وهو توحيد الطلب
والقصد وتوحيد الطاعة.
النوع الثالث: توحيد الأسماء والصفات وهو:
"الإيمان بما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الأسماء والصفات".
هذه أنواع التوحيد مستقرأة من كتاب الله عز وجل.
فكل آية في القرآن تتحدث عن أفعال الله من الخلق والرزق والإحياء والإماتة
وتدبير الأمور فهي في توحيد الربوبية، وهذا كثير في القرآن:
- قال تعالى: ﴿قُل لِّمَنِ الأَرْضُ ومَن فِيهَا إِن كُنتُمْ
تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ. قُلْ
مَن رَّبُّ السَّمَواتِ السَّبْعِ ورَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ.
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ. قُلْ مَنْ بِيَدِهِ
مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وهُو يُجِيرُ ولاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ
تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾
[المؤمنون: 84-89].
- وقال تعالى: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ
أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ ومَن يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ
المَيِّتِ ويُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ ومَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ
فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ [يونس: 31].
وهكذا كل آية فيها ذكر خلق السماوات والأرض، وخلق المخلوقات، فإن هذا في توحيد الربوبية.
وكل آية فيها ذكر العبادة: بأن تتحدث عن الأمر بعبادة الله والنهي عن الشرك، فإن هذا في توحيد الألوهية.
وكل آية تتحدث عن أسماء الله وصفاته، فإن هذا في توحيد الأسماء والصفات.
التوحيد الذي ارسل به الرسل
هو توحيد الألوهية،
ولهذا كان الرسل كلهم يبدءون دعوتهم لأقوامهم بقولهم: ﴿اعْبُدُواْ
اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ يدعون إلى توحيد الألوهية كما
أخبر القرآن عنهم ذلك لأن توحيد الألوهية هو الذي تنكر له البشر واجتالتهم
الشياطين عنه.
وأما توحيد الربوبية فهو شيء حاصل وموجود ومستقر في النفوس. والاقتصار
عليه والاكتفاء به لا ينجي العبد، ولا يدخله في زمرة الموحدين المؤمنين، ]
( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم
لا يعلمون ( 25 ولذلك قاتل الرسول -صلى الله عليه وسلم- كفار قريش، وهم
يقرون بأن الله هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت، قاتلهم واستحل
دماءهم حتى يقروا بتوحيد الألوهية؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (أمرت
أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم
وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله).(3)
فهذا دليل على أن المطلوب الأعظم من الخلق هو توحيد الألوهية،
ولذلك لم يقل -صلى الله عليه وسلم-: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقروا بأن الله هو الخالق الرازق المحي المميت؛ لأنهم مقرون بهذا.
بل قال: (حتى يقولوا لا إله إلا الله) أو "يشهدوا أن لا إله إلا الله".
الخطأ في تقسيم التوحيد:
ومن المعاصرين من يقسم التوحيد إلى أربعة أقسام، فيقول:
التوحيد أربعة أنواع:
توحيد الربوبية،
وتوحيد الألوهية،
وتوحيد الأسماء والصفات
، وتوحيد الحاكمية.
ويستند في هذا إلى أن التقسيم اصطلاحي، وليس توقيفيًا، فلا مانع من الزيادة على الثلاثة.
ويقال لهذا: ليس التقسيم اصطلاحيًا، وإنما يرجع في التقسيم إلى الكتاب
والسنة. والسلف حينما قسموا التوحيد إلى ثلاثة أقسام استقرءوها من
الكتاب والسنة.
أما الحاكمية فهي حق. يجب أن يكون التحاكم إلى شرع الله عز وجل، لكن هذا
داخل في توحيد العبادة لأنه "طاعة الله عز وجل"، السلف ما أهملوا
توحيد الحاكمية حتى يأتي واحد متأخر فيضيفه،
بل هو عندهم داخل في توحيد العبادة "توحيد الألوهية"! لأن من عبادة
الله جل وعلا طاعته بتحكيم شرعه، فلا يجعل قسمًا مستقلاً. وإلا لزم من
ذلك أن تجعل الصلاة قسمًا من أقسام التوحيد، وتجعل الزكاة قسمًا، والصيام
قسمًا، والحج قسمًا، وكل أنواع العبادة أقسامًا للتوحيد، ويجعل التوحيد
أقسامًا لا نهاية لها! وهذا غلط. بل أنواع العبادة كلها تندرج تحت قسم
واحد وهو توحيد الألوهية، فإنه جامع لها مانع من دخول غيرها معها.
ومنهم من يزيد على الأقسام الأربعة قسمًا خامسًا ويسميه: اتباع الرسول
-صلى الله عليه وسلم-. وهذا غلط. فاتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم-
حق ولا بد منه، لكن اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- من لوازم التوحيد،
ولذلك لا تصح شهادة: أن لا إله إلا الله، إلا بشهادة أن محمدًا رسول
الله.
فمن لازم الشهادة لله بالتوحيد الشهادة للرسول -صلى الله عليه وسلم-
بالرسالة، وهذا من لوازم التوحيد وليس قسمًا مستقلاً من أقسام التوحيد.
ومخالف التوحيد يقال له مشرك أو كافر. ومخالف المتابعة يكون مبتدعًا.
التوحيد عند المتكلمين
هناك من يقول: التوحيد نوع واحد فقط،
وهو توحيد الربوبية وهو: الاعتراف بأن الله هو الخالق الرازق المحي المميت، إلى آخر ما جاء من أفعال الله وصفاته جل وعلا.
وعلى هذا جميع علماء الكلام والنظار الذين بنوا عقيدتهم على علم الكلام. ,عقائدهم موجودة،
وإذا قرأت في كتبهم لا تجد فيها إلا إثبات توحيد الربوبية، فمن اعترف به
عندهم فهو الموحد وليس عندهم توحيد الألوهية ولا توحيد الأسماء والصفات،
ولذلك لا يعدون عبادة القبور ودعاء الأموات شركًا، وإنما يقول أماثلهم: هذا توجه لغير الله،
وهو خطأ. ولا يقولون: هذا شرك.
وبعضهم يقول: إن هؤلاء الذين يدعون الأموات، ويستغيثون بالمقبورين ليسوا
بمشركين؛ لأنهم لا يعتقدون أن هؤلاء الأموات أو هذه المعبودات تخلق وترزق
وتدبر مع الله، فما داموا لم يعتقدوا ذلك فإنهم ليسوا مشركين، ولا يعد
عملهم هذا شركًا. وهو إنما اتخذوا هذه الأشياء وسائل و وسائط بينهم وبين
الله شفعاء.
هذه مقالتهم، كما قال المشركون من قبل: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ
لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3]، وقال تعالى
عنهم: ﴿ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ ولاَ
يَنفَعُهُمْ ويَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ﴾
[يونس: 18]
ويقول علماء الكلام:
إن عبادة القبور والتعلق بالأموات والاستغاثة بهم ليس بشرك، وإنما هي
توسل، وطلب للشفاعة، واتخاذ وسائط إلى الله عز وجل. ولا يكون شركًا إلا
إذا اعتقدوا أن هذه الأشياء تخلق وترزق وتدبر مع الله عز وجل!!
هذا يصرحون به في كتبهم وفي كلامهم.
والذي ينكر من أهل الكلام على من يقع في هذا الأمر يقول: هذا من باب
الخطأ، وهؤلاء جهال وقعوا في هذا الجهل لا عن قصد؛ بل لجهلهم.
لكن الأكثر لا ينكرون عليهم؛ بل يقولون: هذا اتخاذ وسائط وشفعاء عند الله عز وجل، وليس شركًا.
**وأما الأسماء والصفات
فإثباتها عندهم يقتضي التشبيه، فنفوها عن الله عز وجل،
وهؤلاء هم: الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية، كلهم نفوا توحيد
الأسماء والصفات، تنزيهًا لله –بزعمهم- عن مشابهة المخلوقين، فصار التوحيد
منحصرًا عندهم في توحيد الربوبية فقط، وليس عندهم توحيد الألوهية ولا
توحيد الأسماء والصفات.
وينكرون على من يقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام، حتى إن كاتبًا عصريًا منهم
يقول: تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام هو من التثليث! بلغت الوقاحة به
إلى أن يشبهه بدين النصارى. والعياذ بالله.
** ما السبب في تسليط الأعداء على المسلمين؟
حينما ننظر في العالم الإسلامي، لا نجد عند أكثر المنتسبين إلى الإسلام
تمسكًا بالإسلام، إلا من رحم الله، إنما هم مسلمون بالاسم؛ فالعقيدة عند
أكثرهم ضائعة: يعبدون غير الله، يتعلقون بالأولياء والصالحين، والقبور
والأضرحة، ولا يقيمون الصلاة، ولا يؤتون الزكاة، ولا يصومون، ولا يقومون
بما أوجب الله عليهم، ومن ذلك إعداد القوة لجهاد الكفار!! هذا حال
كثير من المنتسبين إلى الإسلام، ضيعوا دينهم فأضاعهم الله عز وجل.
وأهم الأسباب التي أوقعت بهم هذه العقوبات
هو إهمالهم للتوحيد، ووقوعهم في الشرك الأكبر، ولا يتناهون عنه ولا
ينكرونه! من لا يفعله منهم فإنه لا ينكره؛ بل لا يعده شركًا. فهذه أهم
الأسباب التي أحلت بالمسلمين هذه العقوبات.
ولو أنهم تمسكوا بدينهم، وأقاموا توحيدهم وعقيدتهم على الكتاب والسنة، واعتصموا بحبل الله جميعًا ولم يتفرقوا لما حل بهم ما حل؛
قال الله تعالى: ﴿ولَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ
لَقَويٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا
الصَّلاةَ وآتَوا الزَّكَاةَ وأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ ونَهَوا عَنِ
المُنكَرِ ولِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [الحج: 40-41]،
فبين أنه لا يحصل النصر للمسلمين إلا بهذه الركائز التي ذكرها الله سبحانه
وتعالى وهي: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر.
وأين هذه الأمور في واقع المسلمين اليوم؟ أين الصلاة عند كثير ممن يدَّعون الإسلام؟!
وقال تعالى: ﴿وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ
الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي
ارْتَضَى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوفِهِمْ أَمْناًَ﴾
لكن أين الشرط لهذا الوعد؟ ﴿يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي
شَيْئاً﴾ [النور: 55]،
فبين أن هذا الاستخلاف وهذا التمكين لا يتحقق إلا بتحقق شرطه الذي ذكره
وهو عبادته وحده لا شريك له، وهذا هو التوحيد، فلا تحصل هذه الوعود
الكريمة إلا لمن حقق التوحيد بعبادة الله وحده لا شريك له، وعبادة الله
تدخل فيها الصلاة والصيام والزكاة والحج، وجميع الطاعات.
ولم يقل سبحانه: يعبدونني فقط بل أعقب ذلك بقوله: ﴿لاَ يُشْرِكُونَ
بِي شَيْئاً﴾؛ لأن العبادة لا تنفع مع وجود الشرك، بل لا بد من اجتناب
الشرك أيًّا كان نوعه، وأيًّا كان شكله، وأيًّا كان اسمه. وهو: "صرف
شيء من العبادة لغير الله عز وجل".
هذا هو سبب النجاة والسلامة والنصر والتمكين في الأرض، صلاح العقيدة وصلاح
العمل. وبدون ذلك فإن العقوبات والنكبات، والمثلات قد تحل بمن أخل بشيء
مما ذكره الله من القيام بهذا الشرط، وهذه النكبات، وهذا التسلط من
الأعداء سببه إخلال المسلمين بهذا الشرط وتفريطهم في عقيدتهم ودينهم،
واكتفاؤهم بالتسمي بالإسلام فقط.
هذا هو التوحيد، وهذه أنواعه، وهذه أهميته، وهذه دلالة القرآن الكريم عليه.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل التوحيد المتمسكين بالكتاب والسنة،
الداعين إلى الله على بصيرة، بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي
أحسن.
ونسأله أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويصلح ولاة أمور المسلمين وعلماءهم.
اخر داعونا ان الحمد
التوحيد [في اللغة]
:
مأخوذ من وحَّد الشيء إذا جعله واحدًا، والواحد ضد الاثنين والثلاثة
فأكثر، فحاصله أنه ضد الكثرة, فالشيء الواحد هو الشيء المستقل المتوحد
الذي لا يشاركه غيره.
وأما في الشرع فالتوحيد هو:
"إفراد الله بالعبادة"
بمعنى: أن تجعل العبادة كلها لله عز وجل ﴿ويَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ
لِلَّهِ﴾ [الأنفال:39]؛ بدليل قوله تعالى: ﴿ومَا خَلَقْتُ
الجِنَّ والإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، وقوله
تعالى: ﴿واعْبُدُوا اللَّهَ ولاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾
[النساء: 36]، وقوله تعالى: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ
لَهُ الدِّينَ ولَو كَرِهَ الكَافِرُونَ﴾ [غافر: 14]
هذا هو التوحيد في الشرع: إفراد الله بالعبادة وترك عبادة ما سواه.
أنواع التوحيد:
التوحيد: أنواع ثلاثة مستقرأة من كتاب الله عز وجل. وليس تقسيم
التوحيد إلى ثلاثة جاء من قبيل الرأي، أو من قبيل الاصطلاح، وإنما هو
مستقرأ من كتاب الله عز وجل.
قال تعالى:( رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا)مريم
النوع الأول: توحيد الربوبية وهو:
"إفراد الله جل وعلا بأفعاله"؛ من الخلق والرزق والإحياء والإماتة
وتدبير الأمور، فيعتقد المرء أن الله وحده الخالق الرازق المدبر الحي الذي
لا يموت.
و توحيد الربوبية، فجميع الأمم مقرة به، لم ينكره إلا شذاذ من الخلق،
أنكروه تكبرًا وعنادًا مع اعترافهم به في قرارة أنفسهم.مثل فرعون.
فجميع الخلق مقرون بأن الله هو الخالق الرازق المحي المميت المدبر،
النوع الثاني: توحيد الألوهية وهو:
"إفراد الله جل وعلا بأفعال العباد التي يتقربون بها إليه سبحانه
وتعالى"؛ كالدعاء والخوف والرجاء والرهبة والرغبة والتوكل والاستقامة
والاستغاثة والذبح والنذر، وغير ذلك من أنواع العبادة. فيجب أن تكون
العبادة بجميع أنواعها لله سبحانه لا يصرف منها شيء لغير الله. هذا هو
توحيد العبادة، أو توحيد الألوهية، وهو التوحيد العملي، وهو توحيد الطلب
والقصد وتوحيد الطاعة.
النوع الثالث: توحيد الأسماء والصفات وهو:
"الإيمان بما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الأسماء والصفات".
هذه أنواع التوحيد مستقرأة من كتاب الله عز وجل.
فكل آية في القرآن تتحدث عن أفعال الله من الخلق والرزق والإحياء والإماتة
وتدبير الأمور فهي في توحيد الربوبية، وهذا كثير في القرآن:
- قال تعالى: ﴿قُل لِّمَنِ الأَرْضُ ومَن فِيهَا إِن كُنتُمْ
تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ. قُلْ
مَن رَّبُّ السَّمَواتِ السَّبْعِ ورَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ.
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ. قُلْ مَنْ بِيَدِهِ
مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وهُو يُجِيرُ ولاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ
تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾
[المؤمنون: 84-89].
- وقال تعالى: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ
أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ ومَن يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ
المَيِّتِ ويُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ ومَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ
فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ [يونس: 31].
وهكذا كل آية فيها ذكر خلق السماوات والأرض، وخلق المخلوقات، فإن هذا في توحيد الربوبية.
وكل آية فيها ذكر العبادة: بأن تتحدث عن الأمر بعبادة الله والنهي عن الشرك، فإن هذا في توحيد الألوهية.
وكل آية تتحدث عن أسماء الله وصفاته، فإن هذا في توحيد الأسماء والصفات.
التوحيد الذي ارسل به الرسل
هو توحيد الألوهية،
ولهذا كان الرسل كلهم يبدءون دعوتهم لأقوامهم بقولهم: ﴿اعْبُدُواْ
اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ يدعون إلى توحيد الألوهية كما
أخبر القرآن عنهم ذلك لأن توحيد الألوهية هو الذي تنكر له البشر واجتالتهم
الشياطين عنه.
وأما توحيد الربوبية فهو شيء حاصل وموجود ومستقر في النفوس. والاقتصار
عليه والاكتفاء به لا ينجي العبد، ولا يدخله في زمرة الموحدين المؤمنين، ]
( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم
لا يعلمون ( 25 ولذلك قاتل الرسول -صلى الله عليه وسلم- كفار قريش، وهم
يقرون بأن الله هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت، قاتلهم واستحل
دماءهم حتى يقروا بتوحيد الألوهية؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (أمرت
أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم
وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله).(3)
فهذا دليل على أن المطلوب الأعظم من الخلق هو توحيد الألوهية،
ولذلك لم يقل -صلى الله عليه وسلم-: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقروا بأن الله هو الخالق الرازق المحي المميت؛ لأنهم مقرون بهذا.
بل قال: (حتى يقولوا لا إله إلا الله) أو "يشهدوا أن لا إله إلا الله".
الخطأ في تقسيم التوحيد:
ومن المعاصرين من يقسم التوحيد إلى أربعة أقسام، فيقول:
التوحيد أربعة أنواع:
توحيد الربوبية،
وتوحيد الألوهية،
وتوحيد الأسماء والصفات
، وتوحيد الحاكمية.
ويستند في هذا إلى أن التقسيم اصطلاحي، وليس توقيفيًا، فلا مانع من الزيادة على الثلاثة.
ويقال لهذا: ليس التقسيم اصطلاحيًا، وإنما يرجع في التقسيم إلى الكتاب
والسنة. والسلف حينما قسموا التوحيد إلى ثلاثة أقسام استقرءوها من
الكتاب والسنة.
أما الحاكمية فهي حق. يجب أن يكون التحاكم إلى شرع الله عز وجل، لكن هذا
داخل في توحيد العبادة لأنه "طاعة الله عز وجل"، السلف ما أهملوا
توحيد الحاكمية حتى يأتي واحد متأخر فيضيفه،
بل هو عندهم داخل في توحيد العبادة "توحيد الألوهية"! لأن من عبادة
الله جل وعلا طاعته بتحكيم شرعه، فلا يجعل قسمًا مستقلاً. وإلا لزم من
ذلك أن تجعل الصلاة قسمًا من أقسام التوحيد، وتجعل الزكاة قسمًا، والصيام
قسمًا، والحج قسمًا، وكل أنواع العبادة أقسامًا للتوحيد، ويجعل التوحيد
أقسامًا لا نهاية لها! وهذا غلط. بل أنواع العبادة كلها تندرج تحت قسم
واحد وهو توحيد الألوهية، فإنه جامع لها مانع من دخول غيرها معها.
ومنهم من يزيد على الأقسام الأربعة قسمًا خامسًا ويسميه: اتباع الرسول
-صلى الله عليه وسلم-. وهذا غلط. فاتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم-
حق ولا بد منه، لكن اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- من لوازم التوحيد،
ولذلك لا تصح شهادة: أن لا إله إلا الله، إلا بشهادة أن محمدًا رسول
الله.
فمن لازم الشهادة لله بالتوحيد الشهادة للرسول -صلى الله عليه وسلم-
بالرسالة، وهذا من لوازم التوحيد وليس قسمًا مستقلاً من أقسام التوحيد.
ومخالف التوحيد يقال له مشرك أو كافر. ومخالف المتابعة يكون مبتدعًا.
التوحيد عند المتكلمين
هناك من يقول: التوحيد نوع واحد فقط،
وهو توحيد الربوبية وهو: الاعتراف بأن الله هو الخالق الرازق المحي المميت، إلى آخر ما جاء من أفعال الله وصفاته جل وعلا.
وعلى هذا جميع علماء الكلام والنظار الذين بنوا عقيدتهم على علم الكلام. ,عقائدهم موجودة،
وإذا قرأت في كتبهم لا تجد فيها إلا إثبات توحيد الربوبية، فمن اعترف به
عندهم فهو الموحد وليس عندهم توحيد الألوهية ولا توحيد الأسماء والصفات،
ولذلك لا يعدون عبادة القبور ودعاء الأموات شركًا، وإنما يقول أماثلهم: هذا توجه لغير الله،
وهو خطأ. ولا يقولون: هذا شرك.
وبعضهم يقول: إن هؤلاء الذين يدعون الأموات، ويستغيثون بالمقبورين ليسوا
بمشركين؛ لأنهم لا يعتقدون أن هؤلاء الأموات أو هذه المعبودات تخلق وترزق
وتدبر مع الله، فما داموا لم يعتقدوا ذلك فإنهم ليسوا مشركين، ولا يعد
عملهم هذا شركًا. وهو إنما اتخذوا هذه الأشياء وسائل و وسائط بينهم وبين
الله شفعاء.
هذه مقالتهم، كما قال المشركون من قبل: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ
لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3]، وقال تعالى
عنهم: ﴿ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ ولاَ
يَنفَعُهُمْ ويَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ﴾
[يونس: 18]
ويقول علماء الكلام:
إن عبادة القبور والتعلق بالأموات والاستغاثة بهم ليس بشرك، وإنما هي
توسل، وطلب للشفاعة، واتخاذ وسائط إلى الله عز وجل. ولا يكون شركًا إلا
إذا اعتقدوا أن هذه الأشياء تخلق وترزق وتدبر مع الله عز وجل!!
هذا يصرحون به في كتبهم وفي كلامهم.
والذي ينكر من أهل الكلام على من يقع في هذا الأمر يقول: هذا من باب
الخطأ، وهؤلاء جهال وقعوا في هذا الجهل لا عن قصد؛ بل لجهلهم.
لكن الأكثر لا ينكرون عليهم؛ بل يقولون: هذا اتخاذ وسائط وشفعاء عند الله عز وجل، وليس شركًا.
**وأما الأسماء والصفات
فإثباتها عندهم يقتضي التشبيه، فنفوها عن الله عز وجل،
وهؤلاء هم: الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية، كلهم نفوا توحيد
الأسماء والصفات، تنزيهًا لله –بزعمهم- عن مشابهة المخلوقين، فصار التوحيد
منحصرًا عندهم في توحيد الربوبية فقط، وليس عندهم توحيد الألوهية ولا
توحيد الأسماء والصفات.
وينكرون على من يقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام، حتى إن كاتبًا عصريًا منهم
يقول: تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام هو من التثليث! بلغت الوقاحة به
إلى أن يشبهه بدين النصارى. والعياذ بالله.
** ما السبب في تسليط الأعداء على المسلمين؟
حينما ننظر في العالم الإسلامي، لا نجد عند أكثر المنتسبين إلى الإسلام
تمسكًا بالإسلام، إلا من رحم الله، إنما هم مسلمون بالاسم؛ فالعقيدة عند
أكثرهم ضائعة: يعبدون غير الله، يتعلقون بالأولياء والصالحين، والقبور
والأضرحة، ولا يقيمون الصلاة، ولا يؤتون الزكاة، ولا يصومون، ولا يقومون
بما أوجب الله عليهم، ومن ذلك إعداد القوة لجهاد الكفار!! هذا حال
كثير من المنتسبين إلى الإسلام، ضيعوا دينهم فأضاعهم الله عز وجل.
وأهم الأسباب التي أوقعت بهم هذه العقوبات
هو إهمالهم للتوحيد، ووقوعهم في الشرك الأكبر، ولا يتناهون عنه ولا
ينكرونه! من لا يفعله منهم فإنه لا ينكره؛ بل لا يعده شركًا. فهذه أهم
الأسباب التي أحلت بالمسلمين هذه العقوبات.
ولو أنهم تمسكوا بدينهم، وأقاموا توحيدهم وعقيدتهم على الكتاب والسنة، واعتصموا بحبل الله جميعًا ولم يتفرقوا لما حل بهم ما حل؛
قال الله تعالى: ﴿ولَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ
لَقَويٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا
الصَّلاةَ وآتَوا الزَّكَاةَ وأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ ونَهَوا عَنِ
المُنكَرِ ولِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [الحج: 40-41]،
فبين أنه لا يحصل النصر للمسلمين إلا بهذه الركائز التي ذكرها الله سبحانه
وتعالى وهي: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر.
وأين هذه الأمور في واقع المسلمين اليوم؟ أين الصلاة عند كثير ممن يدَّعون الإسلام؟!
وقال تعالى: ﴿وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ
الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي
ارْتَضَى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوفِهِمْ أَمْناًَ﴾
لكن أين الشرط لهذا الوعد؟ ﴿يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي
شَيْئاً﴾ [النور: 55]،
فبين أن هذا الاستخلاف وهذا التمكين لا يتحقق إلا بتحقق شرطه الذي ذكره
وهو عبادته وحده لا شريك له، وهذا هو التوحيد، فلا تحصل هذه الوعود
الكريمة إلا لمن حقق التوحيد بعبادة الله وحده لا شريك له، وعبادة الله
تدخل فيها الصلاة والصيام والزكاة والحج، وجميع الطاعات.
ولم يقل سبحانه: يعبدونني فقط بل أعقب ذلك بقوله: ﴿لاَ يُشْرِكُونَ
بِي شَيْئاً﴾؛ لأن العبادة لا تنفع مع وجود الشرك، بل لا بد من اجتناب
الشرك أيًّا كان نوعه، وأيًّا كان شكله، وأيًّا كان اسمه. وهو: "صرف
شيء من العبادة لغير الله عز وجل".
هذا هو سبب النجاة والسلامة والنصر والتمكين في الأرض، صلاح العقيدة وصلاح
العمل. وبدون ذلك فإن العقوبات والنكبات، والمثلات قد تحل بمن أخل بشيء
مما ذكره الله من القيام بهذا الشرط، وهذه النكبات، وهذا التسلط من
الأعداء سببه إخلال المسلمين بهذا الشرط وتفريطهم في عقيدتهم ودينهم،
واكتفاؤهم بالتسمي بالإسلام فقط.
هذا هو التوحيد، وهذه أنواعه، وهذه أهميته، وهذه دلالة القرآن الكريم عليه.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل التوحيد المتمسكين بالكتاب والسنة،
الداعين إلى الله على بصيرة، بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي
أحسن.
ونسأله أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويصلح ولاة أمور المسلمين وعلماءهم.
اخر داعونا ان الحمد